وأطلق الخلو أيضاً على حق مستأجر الأرض الأميرية في التمسك بها إن كان له فيها أثر من غراس أو بناء أو كبس بالتراب على أن يؤدي ما عليها من الحقوق لبيت المال، وهذا النوع الثاني سماه بعض متأخري المالكية خلوًّا.
وفي أكثر كلام الشيخ عليش قال: هو ملحق بالخلوّ، وقال في موضع: يكون خلواً، ووقع في بعض كلامه إطلاق الخلو على نفس البناء والغرس ونحوهما، الذي يقيمه من بيده عقار وقف أو أرض أميرية.
ويكون الخلو في العقارات المملوكة أيضاً.
ولعل أصل استعمال لفظ الخلو بهذا الاصطلاح أنه أطلق أولاً على خلوّ العقار أي إفراغه والتخليّ عنه لغير من هو بيده، وأطلق على البدل النقدي الذي يأخذه مالك هذا الحق مقابل التخلي عنه، ثم أطلق على المنفعة المتخلّى عنها نفسها، وقد وقع بهذه المعاني كلها في كلام الشيخ عليش.
2- الخلوّ في الأملاك الخاصة.
فرّق الحنفية بين الوقف والملك في ثبوت حق القرار فأثبتوه للمستأجر في عقارات الأوقاف، ونفوه في الأملاك الخاصة المؤجرة، وبينوا أن الفرق في ذلك هو أن المالك أحق بملكه إذا انتهى عقد الإجارة.
ثم هو قد يرغب في تجديد إيجاره للمستأجر الأول بنفس الأجر، أو أقل أو أكثر، وقد لا يرغب في ذلك، وقد يريد أن يسكنه بنفسه، أو يبيعه، أو يعطله، بخلاف الموقوف المعدّ للإيجار، فإنه ليس للناظر إلا أن يؤجره، فإيجاره من ذي اليد بأجرة مثله أولى من إيجاره للأجنبي، لما فيه من النظر للوقف ولذي اليد.
ومقتضى ذلك أن لا يثبت حق القرار في الأملاك الخاصة حتى عند من سماه في عقارات الوقف خلواً، ولأنه يلزم من عدم إخراج صاحب الحانوت لصاحب الخلو حجر الحر المكلف عن ملكه وإتلاف ماله.
وهي مسألة إجماعية كما نقله صاحب الفتاوى الخيرية وكما هو معلوم من أحكام الإجارة فإن كان للمستأجر عند انتهاء الإجارة في الأرض بناء أو أشجار، أو في الحانوت بناء، يلزم رفعه على خلاف وتفصيل يرجع إليه في أحكام الإجارة.
أما إنشاء الخلو قصدا بتعاقد بين المستأجر والمالك مقابل دراهم معينة ليمكنه من وضع بناء أو نحوه في الأرض أو الحانوت على أن يكون للمستأجر الخلو، فقد أفتى بصحته بعض متأخري الحنفية.
قال ابن عابدين: ممن أفتى بلزوم الخلو بمقابلة دراهم بدفعها إلى المالك العلامة عبد الرحمن العمادي وقال: فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره فيفتى بجواز ذلك للضرورة.
وسئل المهدي العباسي في رجل له حانوت متخرّب استأجره منه رجل سنة، وأذن له بالبناء والعمارة فيه ليكون ما عمره وبناه وأنشأه خلواً له وملكاً مستحق البقاء والقرار، وجعل عليه أجرة للأرض مقداراً معلوماً من الدراهم مسانهة (سنوياً) فهل إذا بنى وعمر وأنشأ على هذا الوجه يكون ذلك ملكاً للمستأجر، وإذا مات الآذن يكون لورثته أجرة الأرض فقط؟ فأجاب: ما بناه المستأجر من ماله لنفسه بإذن المالك في حياته على الوجه المذكور مملوك لبانيه يورث عنه إذا مات، وعليه الأجرة المقررة على الأرض، والله أعلم.
ثم قرر أن الخلو في هذه الحال يجوز بيعه لأنه عبارة عن أعيان مملوكة لصاحبها مستحق قرارها في المحل.
وكذلك الحكم عند المالكية، فقد قال الشيخ عليش: الخلو بما يقاس عليه الجدك المتعارف في حوانيت مصر، فإن الخو إذا صح في الوقف ففي الملك أولى لأن المالك يفعل في ملكه ما يشاء.
لكن بعض الجدكات بناء، أو إصلاح أخشاب في الحانوت مثلاً بإذن، وهذا قياسه على الخلو ظاهر خصوصاً وقد استندوا في تأبيد الحكر للعرف، والعرف حاصل في الجدك.
والبعض الآخر من الجدكات وضع أشياء مستقلة في المحل (أي منفصلة) غير مسمرة فيه كما يقع في الحمامات، وحوانيت القهوة بمصر، فهذه بعيدة عن الخلوّات، فالظاهر أن للمالك إخراجها، أهـ.
وظاهر أنه يعني بقوله: "إن الخلو إذا صح في الوقف ففي الملك أولى"، أن يتعاقد المالك ومستأجر الحانوت على إنشاء الخلو وتأبيده لا إن حصل ذلك بمجرد الإذن ويفهم ذلك من قوله "لأن المالك يفعل في ملكه ما يشاء".
وكذلك عند الحنابلة الذين أجازوا بيع المنفعة يجوز عندهم على ما خرجه البهوتي إنشاء الخلو بمال يدفع إلى ناظر الوقف بشروطه كما تقدم.
3- أخذ المستأجر بدل الخلو من مستأجر لاحق:
يدور حكم هذه المسألة على أن المستأجر الأول إن كان يملك المنفعة إلى مدة معينة بإجارة صحيحة مع المالك، أو ناظرالوقف، فتخلىّ عن الحانوت أثناء المدة لمستأجر آخر يحل محله وأخذ على ذلك عوضاً من المستأجر الذي يحل محله جاز ذلك، ومن شرط ذلك في حوانيت الوقف أن تكون الجارة بأجرة المثل.
قال الشيخ عليش في فتاويه: إن حوانيت الأوقاف بمصر جرت عادة سكانها أنه إذا أراد أحدهم الخروج من الدكان أخذ من الآخر مالا على أن ينتفع بالسكنى فيه، ويسمونه خلوّا وجَدَكاً، ويتداولون ذلك واحداً بعد واحد، وليس يعود على تلك الأوقاف نفع أصلاً غير أجرة الحانوت، بل الغالب أن أجرة الحانوت أقل من أجرة المثل بسبب ما دفعه الآخذ من مال.
ثم قال: والذي يدور عليه الجواب في ذلك أن الساكن الذي أخذ الخلو إن كان يملك منفعة الحانوت مدة فأسكنها غيره وأخذ على ذلك مالاً فإن كان الآخذ بيد إجارة صحيحة من الناظر أو الوكيل بشروطها بأجرة المثل فهو سائغ له الأخذ على تلك المنفعة التي يملكها، ولا ضرر على الوقف لصدور الأجرة موافقة لأجرة المثل.
وأما إن لم يكن مالكاً للمنفعة بإجارة صحيحة فلا عبرة بخلوه ويؤجره الناظر لمن يشاء بأجرة المثل، ويرجع دافع الدراهم على من دفعها له، أهـ.
وأما بعد انتهاء مدة عقد الإجارة فالمالك أحق بملكه كما تقدم ما لم يكن المستأجر قد اتفق معه على انشاء الخلو بمال دفعه إليه فله بيع الخلو إلى مستأجر يأتي بعده كما تقدم في أول هذا البحث، لأن الخلو الصحيح يجوز بيعه إن تمت شروطه عند من أخذ بذلك.
ونحن نرى -وبالله التوفيق- أن الخلو جائز بالشروط التالية:
أ- أن يكون متعارفاً عليه في السوق، وقد ذكرنا شروط العرف في الفتوى رقم 508 .
ب- أن يكون من صاحب العقار، ويكون كجزء من الأجرة دفعت مسبقاً، أو من المستأجر في مدة جريان عقد الإيجار.
جـ- أن لا يلحق ذلك ضرراً بصاحب العقار.
والله أعلم.
منقول من موقع الدكنور محمد عبد الغفار الشريف
ارجو ممن عنده علم بالموضوع من اخوانن الافاضل ابداء رايه
ولكم جزيل الشكر