{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}(فاطر:15).
جميعُ الخلق مفتقرون إلى الله، مفتقرون إلى الله في كل شؤونِهم وأحوالِهم، وفي كلِ كبيرةٍ وصغيرة، وفي هذا العصرُ تعلقَ الناسُ بالناسِ، وشكا الناسُ إلى الناس، ولا بأسَ أن يُستعانُ بالناس في ما يقدرون عليه، لكن أن يكونَ المُعتمَدُ عليهم، والسؤال إليهم، والتعلقُ بهم فهذا هو الهلاكُ بعينه، فإن من تعلق بشيٍ وكلَ إليه.
نعتمدُ على أنفسِنا وذكائِنا بكل غرورٍ وعجب، أما أن نسأل اللهَ العونَ والتوفيق، ونلحَ عليه بالدعاء، ونحرِصِ على دوام الصلة باللهِ في كلِ الأشياء، وفي الشدةِ والرخاء، فهذا أخرُ ما يفكرُ به بعض الناس.
فقيراً جئتُ بابك يا إلهي.........ولستُ إلى عبادك بالفقيرِ
غنياً عنهمُ بيقينِ قلبي...........وأطمعُ منك في الفضلِ الكبيرِ
إلهي ما سألتُ سواك عوناً......فحسبي العونُ من ربٍ قديرِ
إلهي ما سألتُ سواك عفواً.....فحسبي العفوُ من ربٍ غفورِ
إلهي ما سألتُ سواك هدياً.....فحسبي الهديُ من ربٍ بصيرِ
إذا لم أستعن بك يا إلهي...... فمن عونيِ سواك ومن مجيرِ
أيها الاخوة!
إن الفرار إلى الله، واللجوء إليه في كلِ حالٍ وفي كل كربٍ وهم، هو السبيلُ للتخلصَ من ضعفنا وفتورنا وذلنا و هواننا.
إن في هذه الدنيا مصائبَ ورزايا، ومحناً وبلايا، آلامُ تضيقُ بها النفوس، ومزعجاتُ تورث الخوفَ والجزع. كم في الدنيا من عينٍ باكيةٍ! وكم فيها من قلب حزين! وكم فيها من الضعفاءِ والمعدومين، قلوبُهم تشتعل، ودموعُهم تسيل!
هذا يشكُ علةً وسقماً، وذاك حاجةً وفقراً، وآخر هماً وقلقاً.
عزيزٌ قد ذل، وغنيٌ افتقر، وصحيحٌ مرض، رجل يتبرم من زوجه وولده، وآخرُ يشكُ ويئنُ من ظلمِ سيده، وثالثٌ كسدت وبارت تجارته، شاب أو فتاة يبحث عن عروس، وطالب يشكو كثرة الامتحانات والدروس، هذا مسحور، وذاك مدين، وآخر ابتليَ بالإدمان والتدخين، ورابعُ أصابه الخوفُ ووسوسةُ الشياطين. تلك هي الدنيا، تضحكُ وتبكي، وتجمعُ وتشتت، شدةُ ورخاءُ وسراءٌ وضراءُ. وصدق الله العظيم: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور}(الحديد:23).
أيها الأخوة!
السؤال الذي يجب أن يكون: هؤلاء إلى من يشكون، و أيديَهم إلى من يمدون؟
يجيبك واقعُ الحال على بشرٍ مثلُهم يترددون، وللعبيدِ يتملقون، يسألون ويلحون وفي المديح والثناء يتقلبون، وربما على السحرة والكهنة يتهافتون.
نعم والله تؤلمنا شكاوي المستضعفين، وزفراتُ المساكين، وصرخاتُ المنكوبين، وتدمعُ أعُينَنا - يعلم الله- لأهات المتوجعين، وأناتُ المظلومين، وانكسارِ الملذوعين، لكن أليس إلى اللهِ وحدَه المشتكى؟ أين الإيمان بالله؟ أين التوكلُ على الله؟ أين الثقةُ و اليقينُ بالله؟
وإذا عرتك بليةًُ فاصبر لها.......صبرُ الكريمِ فإنه بك أرحمُ
وإذا شكوتَ إلى ابنِ أدم إنما.....تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يرحمُ
ألم نسمع عن أناس كانوا يشكون إلى الله حتى انقطاع سير نعلهم، نعم حتى سير النعل كانوا يسألونه الله، بل كانوا يسألون الله حتى الملح.
يا أصحابَ الحاجات!
أيها المرضى!
أيها المدينون!
أيها المكروب والمظلوم!
أيها المُعسرُ والمهموم!
أيها الفقير والمحروم!
يا من يبحث عن السعادة الزوجية.
يا من يشكو العقم ويبحث عن الذرية.
يا من يريد التوفيق بالدراسة والوظيفة.
يا من يهتم لأمر المسلمين.
يا كلُ محتاج.
يا من ضاقت عليه الأرضُ بما رحبت.