الحجاج بن يوسف الثقفي
..................................
من منا لم يسمع باسم الحجاج
والذي كثيرا ما يقرن اسمه مع
الطغيان
والقسوة
والجبروت
والتسلط
وسفك الدماء
فهنا لنا وقفة وسؤال
هل كان الحجاج حقا ظالما ؟
ولادته
ولد أبو محمد الحجاج بن يوسف
بن أبي عقيل بن الحكم الثقفي
في منازل ثقيف بمدينة الطائف،
في عام الجماعة 41هـ.
وكان اسمه كليب ثم أبدله بالحجاج.
وأمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي
الصحابي الشهيد.
نشأته
نشأ في الطائف
وتعلم القرآن والحديث والفصاحة
ثم عمل في مطلع شبابه معلم صبيان مع أبيه،
يعلم الفتية القرآن والحديث،
ويفقههم في الدين،
لكنه لم يكن راضياً بعمله هذا،
على الرغم من تأثيره الكبير عليه، فقد اشتهر بتعظيمه للقرآن.
مسيرته في الشام
التحق بشرطة الإمارة
التي كانت تعاني من مشاكل جمة
منها سوء التنظيم،
واستخفاف أفراد الشرطة بالنظام،
وقلة المجندين.
فأبدى حماسة وانضباطاً،
وسارع إلى تنبيه أولياء الأمر لكل خطأ أو خلل،
وأخذ نفسه بالشدة،
فقربه روح بن زنباع قائد الشرطة إليه،
ورفع مكانته،
ورقاه فوق أصحابه،
فأخذهم بالشدة،
وعاقبهم لأدنى خلل
فضبطهم،
وسير أمورهم بالطاعة المطلقة لأولياء الأمر.
ولايته على العراق
حين توفي
بشر بن مروان
امير العراق
كان العراق حينها يغلي بالفتن
والثورات
والصراعات
والمظالم
التي ارهقت الجيوش واتعبت كل خلفاء المسلمين
الذين جائوا بعد مقتل الخلفة الثالث عثمان بن عفان
رضي الله عنه
فحين جاء المعزون
يعزون عبد الملك في وفاة أخيه
كان الحجاج ضمن من حضروا
فوقف فيهم عبد الملك مخاطبا :
أيها الناس إن العراق
كدر ماؤها
وكثر غوغاؤها
وأملولح عذبها
وعظم خطبها
وظهر ضرامها
وعسر أخماد نيرانها
فهل من ممهد لهم بسيف
قاطع وذهن حامع
وقلب ذكي
وأنف حمي
فيخمد نيرانها ويردع غيلانها
وينصف مظلومها
ويداوي الجراح حتى تندمل
فتصفو البلاد وتأمن العباد
مالي أرى الرؤوس مطرقة والألسن معتقلة
فلم يجبه أحد..
فقام إليه الحجاج
وقال: أنا مجندل الفساق
ومطفىء نار النفاق
و قاصم الظلمة
ومعدن الحكمة
الحجاج بن يوسف
معدن العفو والعقوبة
آفة الكفر والريبة
قال الخليفة :
إليك عني وذاك
فلست هناك
ثم قال الخليفة مكررا :
من للعراق
فسكت القوم...
وقام الحجاج ثانية وقال :
انا للعراق
فقال الخلية
إذن أظنك صاحبها والظافر بغنائمها،
وإن لكل شيء يا ابن يوسف آية وعلامة
فما آيتك وما علامتك
قال:
العقوبة والعفو
والاقتداروالبسط
والازوراروالادناء
والابعاد والجفاء
والبر والتأهب والحزم
وخوض غمرات الحروب بجنان
غير هيوب
فمن جادلني قطعته
ومن نازعني قصمته
ومن خالفني نزعته
ومن دنا مني أكرمته
ومن طلب الأمان أعطيته
ومن سارع إلى الطاعة بجلته
فهذه آيتي وعلامتي
وما عليك يا أمير المؤمنين
أن تبلوني
فان كنت للاعناق قطاعا
وللأموال جماعا
وللأرواح نزاعا
ولك في الأشياء نفاعا
وإلا فليستبدل بي أمير المؤمنين
فان الناس كثير ولكن من يقوم بهذا الأمر قليل
وبعد هذا الاجتماع
انطلق الحجاج إلى العراق
دخوله الكوفه
فكان أول ما دخل الكوفة
حيث صعد المنبر ملتثما
وطفق ينتظر حتى امتلى المسجد
باهل الكوفة
وكان الحجاج حينها يترقب
ويستمع الى كل ما يدور من حوله
ثم كشف عن لثامه
وقال
أما والله فإني لأحمل الشر بثقله
وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله،
والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها،
وإني لصاحبها،
والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى.
ثم قال: والله يا أهل العراق،
إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه،
فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً،
وأشدها مكسراً، فوجهني إليكم، ورماكم بي. يا أهل العراق،
يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق،
إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال،
وسننتم سنن العي، وأيم الله لألحونكم لحو العود،
ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة
ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل،
إني والله لا أحلق إلا فريت،
ولا أعد إلا وفيت،
إياي وهذه الزرافات،
وقال وما يقول، وكان وما يكون، وما أنتم وذاك؟.
يا أهل العراق! إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان،
فكفرتم بأنعم الله، فأتاها وعيد القرى من ربها،
فاستوسقوا واعتدلوا، ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا،
وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والأهذار،
ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف،
ثم لا يغمد في الشتاء والصيف، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم،
ويقيم له أودكم، وصغركم، ثم إني وجدت الصدق من البر،
ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور،
ووجدت الفجور في النار،
وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم
وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين،
وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام،
وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به،
ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه.
ولينهبن ماله. ثم التفت إلى أهل الشام
فقال: يا أهل الشام! أنتم البطانة والعشيرة،
والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأزفر،
وإنما أنتم كما قال الله تعالى:
"ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء"
والتفت إلى أهل العراق فقال:
لريحكم أنتن من ريح الأبخر،
وإنما أنتم كما قال الله تعالى:
"ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار".
اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام:
فقال القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم،
من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين
إلى من بالعراق
من المؤمنين والمسلمين،
سلام عليكم،
فإني أحمد إليكم الله
فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر:
"أسكت يا غلام"، فسكت، فقال:
" يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق.
يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام؟
هذا أدب ابن أبيه؟
والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدب ابن أبيه،
ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ منكم في جسده
وفي نفسه شغلاً،
اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام"،
فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم
فلما بلغ إلى موضع السلام صاحوا
وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته،
فأنهاه ودخل قصر الإمارة." .
يا أهل العراق،
يا أهل النفاق والشقاق
ومساوئ الأخلاق،
إنكم طالما أوضعتم في الفتنة،
واضطجعتم في مناخ الضلال،
مخاطبا القوم
والله إني لأرى رؤسا أينعت
وقد حان قطافها
وإني لصاحبها
واني لأرى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى
إني والله يا أهل العراق
لقد فررت عن ذكاء وفتشت عن تجربة
إن أمير المؤمنين نثر كنانة
بين يديه فعجم عيدانها فوجدني
أمرها عودا
وأصلبها مكسرا
فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتهم في الفتن
واضطجعتم في مراقد الضلال
والله لأنكلن بكم في البلاد
ولأجعلنكم مثلا في كل واد
ولاحزمنكم حزم السلمة
ولأضربنكم ضرب غرائب الابل
وإني يا أهل العراق
لا أعد إلا وفيت
ولا أعزم إلا أمضيت
فاياي وهذه الزرافات والجماعات
وقيل وقال وكان ويكون يا أهل العراق
إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة
يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت
بأنعم الله فأتاها وعيد القرى من ربها
فاستوثقوا واستقيموا واعملوا
ولا تميلوا وتابعوا
وبايعوا
واجتمعوا واستمعوا
فليس منى الاهدار
والاكثار إنما هو هذا السيف
ثم لا ينسلخ الشتاء من الصيف
حتى يذل الله لأمير المؤمنين
صعبكم ويقيم له أودكم
ثم إني وجدت الصدق مع البر
ووجدت البر في الجنة
ووجدت الكذب مع الفجور
ووجدت الفجور في النار
وقد وجهني أمير المؤمنين إليكم
وأمرني أن أنفق فيكم
وأوجهكم لمحاربة عدوكم
مع المهلب ابن أبي صفرة
وإني أقسم بالله
لا أجد رجلا يتخلف
بعد أخذ عطائه
بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه
كان وصول الحجاج للعراق
سنة خمس وسبعين للهجرة
وكانت مدة حكمه عشرين عاما
في ظل خلافة عبد الملك بن مروان
ومن ثم ابنه الوليد
الذين كانا اكثر المساندين له
على الرغم من معارضة
سليمان بن عبد الملك
و عمر بن عبد العزيز
فما ان حكم الحجاج العراق
حتى جعل همه الاول القضاء على الخوارج
الذين كان امرهم قد استفحل
وكثرت فتنهم
وكانوا يهزمون كل جيش يُرسل لهم