عرض مشاركة واحدة
 
 رقم المشاركة : ( 6 )
إداري ومشرف عام
رقم العضوية : 12
تاريخ التسجيل : Jun 2011
مكان الإقامة : فلسطين / جنين / طورة الغربية
عدد المشاركات : 2,494
عدد النقاط : 10

محمد قبها غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 02-07-2013 - 02:47 PM ]


[frame="1 80"]
كلمات قليلة...لكنها بليغة في معانيها ومقاصدها...
وبلاغة المواقف بلاغةُ تستدعيها الحاجة وتُوَلِّدُها اللحظة فهي بلاغةُ فكر وفطنةٍ وذكاءٍ ولباقةٍ وحضورٍ نفسِ واستجابةِ لسانٍ سريعة بأبلغِ ما يكونُ من الكلام، وهذا موطن العجب، لأن بلاغة اللحظة التي يولدها الموقف تكون أقوى تأثيراً من البلاغة التي تستغرق ساعات في تصفيفها وتصنيفِها.
قرأتُ في إحدى الجرائد اليومية مقالاً موجزاً بعنوان "حِوار مع سكِّير" للشيخ محمد الغزالي أذكر من هذا المقال أن الشيخ الغزالي رحمه الله التقى مع رجل سكِّير فقال له الشيخ ألا تتوب؟
قال السكير: هل يقبلُ اللهُ توبتي؟ وهل يغفر لي، وهل يفتحُ لي بابَه؟ ثم بكى الرجل بكاءً حاراً، فرقَّ له الشيخ ولم يُجب على سؤاله إلا بكلمة واحدة هي أدعو لي يا فلان.
ثم استأنف الشيخُ الغزاليُّ كلامه قال: لعل هذا السكير في تلك اللحظة من الندم والبكاء والرجاء أقرب إلى الله مني، فمن منا يَسْلَم من الذنوب، ولكن قليلاً منا من يقع تحت ذلك الشعور الصادق بالندم والخوف والرجاء.
بلاغة هذا الموقف تتحدد في الأسلوب الحكيم، وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب أو يتوقع، كان أقصى ما يتمناه ذلك السكِّير أن يترفق به الشيخ وأن يدعو له، لكن الشيخ تحوَّل تحولاً مفاجئاً فطلب من السكِّير الدعاء، وهذا يتضمن طمأنته وأنه في تلك اللحظة الصادقة أقرب إلى الله من أي شخص آخر.
بلاغة الموقف هنا جاءت في كلمة موجزة فيها ترفقٌ بالمذنب وعدمُ التشدّدِ معه أو التأففِ منه، فالشيخ لم يبادر بالإعراض عن السكِّير لما رآه ولم يبادر بالتعنيف أو التأنيب، ولكنه حثّه بصيغة مترفِّقة "ألا تتوب" وكان لهذا أثره في الدخول إلى نفس الرجل الذي استفهم عن إمكان أن يقبل اللهُ توبتَه وأن يفتح له بابه، ولما بكى الرجل احترم الشيخ صدق مشاعره، وارتقى به إلى مستوى تلك اللحظة الرائعة، وطلب الشيخ من السكِّير الدعاء.
بلاغة مثل هذا الموقف بلاغةُ تلقائية لا مكان فيها للتأنق أو التقعر أو التفنن ولكنها تلبيةُ ُ لحاجةِ موقف بالكلمة الطيبة التي تتسلل إلى القلوب فتؤتي ثمارها إقناعاً وتأثيراً وهذا لا ينفي أن تكون تلك الكلمة الطيبة ذات بلاغة، بل إن المتكلم إذا انفعل بموقف وتحركت له المَلَكَاتُ النفسيةُ والوجدانية تحركتْ معها الملكاتُ الأدائية وكان اللسان مترجماً لهذا بأقوى كلامٍ يمكن أن ينطق به ذلك الإنسان، ولسان المكلوم يكون أكثرَ انطلاقاً من لسان غيره
مع الاحترام ست سهاد
[/frame]



التعديل الأخير تم بواسطة محمد قبها ; 02-07-2013 الساعة 02:50 PM

رد مع اقتباس