أخي الكريم محمد قبها:
لم أقل أن أبا جهل خير من الحجاج...
أولاً: قلت (فهل يبقى لهذا الرجل حسنات...إلا من قبيل اعتبارنا أن لأبي جهل حسنات مثل أنه لم يسمح باقتحام بيت النبي صلى الله عليه وسلم دون طرق الباب يوم الهجرة حتى لا تتكشف النساء فيه...) يعني أنا ضربت مثال على إمكانية احتساب الحسنات للظالم أو الكافر... وأنت تقول أنني أثني على أبي جهل لمجرد أنني ذكرت له (حسنة) بين قوسين بحسب تصور الحسنات، فماذا نقول عن هذا المديح المغرق للطاغية الحجاج الذي قتل 120000 من إخوانك وإخواني المسلمين وقصف الكعبة و...و...؟
ثانياً:أنا لم أكفّره مطلقاً...أنا نقلت تكفير جماعة من التابعين له وهؤلاء عاصروه وعاصروا جرائمه...
ولعلي أتبنى قول ابن كثير والذهبي وهو القول الذي ذكرته لنا يقول فيه ( ونتقرب إلى الله ببغضه) هذا قول فصل لا قول بعده....
وأقول للأخت الفاضلة سعاد أنا نقلت كلام المحدثين وليس المؤرخين...نقلت كلام الترمذي وابن حجر العسقلاني الذي نقل عن البخاري...مع ملاحظة أن كلام المؤرخين ليس كما وصفتِ، كلام المؤرخين بخصوص الحجاج متواتر ومتضافر وجاء فيه النثر والشعر والملاحم... يعني روايات يوثق بعضها بعض...فهل نشطب كل هذا التاريخ لأجل عبارات يتيمة مفردة عن ما يُقال عن حسنات للحجاج...
وأرجو هنا أن نتوقف عند سيدتنا أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين لنتصورها وهي تقف قبالة جسد ولدها المنصوب على جدار الكعبة (عبد الله بن الزبير) وهو صحابيّ ونحن يُفترض أننا ندافع عن الصحابة أولاً...
لنتصورها وندقق في الحديث النبوي الذي روته :
وهو في مسند أحمد ج44ص529-534 وليس في الطبري أخت سعاد :
يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل :
وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي هَذَا الْحَدِيثَ بِخَطِّ يَدِهِ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ سَعْدَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ يَعْنِي ابْنَ الْعَوَّامِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَ الْحَجَّاجُ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَصَلَبَهُ مَنْكُوسًا، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، إِذْ جَاءَتْ أَسْمَاءُ، وَمَعَهَا أَمَةٌ تَقُودُهَا، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهَا، فَقَالَتْ: أَيْنَ أَمِيرُكُمْ؟ فَذَكَرَ قِصَّةً، فَقَالَتْ: كَذَبْتَ، وَلَكِنِّي أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابَانِ، الْآخِرُ مِنْهُمَا شَرٌّ مِنَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُبِيرٌ " فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَأَنْتَ.
قال محقق مسند أحمد، شعيب الأرناؤوط (إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين) كما روى هذا الحديث البخاري في التاريخ الكبير ج4ص348.
فهل تكفي هذه الرواية المسندة وفق طريق البخاري ومسلم وهي عن أسماء بنت الصديق، هل تكفي لدمغ الحجاج بالظلم وأنه شرّ من المختار الثقفي الذي يطيب لكثيرين دمغه بالكفر والزندقة....
ولعل الزملاء استغربوا شدّة حديثي عن الحجاج، سبب ذلك يعود لجملة أمور:
الأول: أنني درست تلك الفترة باستفاضة خلال دراستي للماجستير في التاريخ الإسلامي...
الثاني: أنني أعتبر الظلم السياسي تحديداً شر أنواع الظلم، وواجبنا كقدوة للمجتمع أن نشنع الظلم السياسي خاصة أن كثيرين منا اكتووا بنار هذا الظلم وندرك خصوصيته...
الثالث: أن الدفاع عن الحجاج ولو على استحياء -كما رأيت هنا من بعض الزملاء- هو دفاع عن البيئة السياسية التي قادت أمتنا لجملة مفاهيم خاطئة منغرسة في اللاوعي عند المسلمين.
الرابع: أن موضوع الحجاج من الوضوح التام عند أهل العلم والتاريخ والحديث بحيث يضع كل مدافع عنه في مواجهة ميراث الأمة الحق، وهو ميراث ثورات وغضب في وجه الظلم السياسي وليس ميراث قبول وتبرير للظالمين....
الخامس: هذه الشدة قربة إلى الله بحسب رأي ابن كثير والذهبي (ونتقرب إلى الله ببغضه)...
(يعني إذا طلع الحجاج ضحية فعلى الأمة أن تشطب كل تاريخها كما عليها أن تركن للظالمين وتنسى قوله تعالى " وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ") وبهذه الآية أختم حديثي على أمل أن يعيد الزملاء الأعزاء الذين يميلون للبحث للحجاج عن حسنات، أن يعيدوا النظر في الأمر لصالح قيم العدل في مواجهة الظلم...وليعلم الزملاء أنه لا يبقى أي قيمة للشهادتين عندما يصبح هذا المسلم المزعوم ظالماً ظلما منهجياً دائماً بحيث يختم حياته بقتل عالم عظيم كسعيد بن جبير وهو بين يدي السياف يصلي لله ويدافع عن فكره السديد...
يقول تعالى في وصف الكفر (والكافرون هم الظالمون) يعني من جرائم الكفر الظلم!!!!